يشهد قطاع النقل في الجزائر حاليا من الفوضى، تبعا لحالة المحطات والحافلات التي لا تصلح للبشر، بالموازاة مع الالتهاب اللافت لتسعيرة النقل الحضري وشبه الحضري وسيارات الأجرة، التي قفزت إلى مستويات معتبرة بلغت 100 بالمائة في بعض الخطوط خاصة في العاصمة، غداة الزيادات المثيرة للجدل مطلع العام الحالي.
تعرف مختلف محطات نقل المسافرين عبر العاصمة ومناطق أخرى غياب أدنى شروط الراحة التي يمكن للمسافرين الاستفادة منها، على غرار المراحيض العمومية ومحلات خدمات الهاتف، والأرضيات المخصصة للحافلات غير المهيأة، والتي تتحوّل في الشتاء إلى برك تتجمع فيها المياه العكرة والأوحال، وفي الصيف تتحوّل إلى مصدر إزعاج كبير لمرتاديها بسبب انبعاث الغبار الذي يزيد من متاعب أصحاب أمراض الحساسية.
في هذا الصدد، قال "نبيل": "بغض النظر عن الحافلات التي تعمل على هذه الخطوط غير الصالحة للنقل، فالمحطات بكاملها في حاجة إلى إعادة تهيئة، لاسيما أنها تصبح مستنقعات كبيرة بمجرد تساقط زخّات من المطر، ناهيك عن غياب محلات الخدمات على غرار الهاتف ما يضطر المسافرين إلى تجشم معاناة مضاعفة".
أما "آسيا" فلم تخف سخطها من القائمين على النقل في الجزائر، إذ قالت: "غير معقول ما يحصل لأنّ غالبية الحافلات الناشطة في العاصمة لا تتوافق مع الشروط المعمول بها حتى في الدول المجاورة، حيث تجد في الكثير من المرات حافلات مهترئة جدا لا تزال تعمل وتتسبب في العديد من حوادث المرور، وكان من الأجدر على هؤلاء القضاء على هذه الحافلات التي تشكل خطرا على ركابها".
حافلات "قتل" المسافرين
يعاني جمهور المسافرين من ظروف استفزازية، خاصة تلك الحافلات المهترئة التي لم تعد تصلح حتى لنقل الحيوانات فما بالك بالبشر؟، فضلا عن غياب أدنى شروط الأمن بداخلها، وكذا درجة الصدأ التي بلغتها، والممارسات المشينة للناقلين الذين يضعون راحة المواطنين في خانة المحرّمات.
اللافت للانتباه أنّ السواد الأعظم من الناقلين لا يحترمون الأوقات المحددة للمكوث في المحطات والعدد المسموح به من الركاب، وهو ما يتسبب في العديد من الحوادث التي يتعرّض لها المسافرون وموجة الإغماءات المتكاثرة، وفي هذا الصدد يقول محمد الأمين الذي يستعمل يوميا خط الدويرة-تافورة بالعاصمة: "كان على الوزارة أن تمنع هذا النوع من الحافلات القديمة من العمل، وإصلاح الطرقات، بدل إعتماد تسعيرات استفزازية لا يستحقها الناقلون".
ولا يهضم المواطنون الزيادات الجنونية لتسعيرات النقل على متن حافلات قديمة التي تشكل خطرا على السلامة المرورية، حيث ينتقد كمال من بئر خادم الإجراء قائلا: "الزيادات مُبالغ فيها، فكيف يعقل أن تدفع 20 دينارا مقابل مسافة لا تتعدّ الكيلومتر الواحد، هذا ما يبيّن غياب المسؤولية والضمير الإنساني لدى المتسببين في ضرب جيوب البسطاء الذين لم يعودا قادرين على الإستمرار في العيش بسبب إرتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية والخدماتية".
ويقول "عبد القادر بوشريط" رئيس الاتحادية الوطنية للناقلين الخواص، إنّ قطاع النقل يشهد فوضى وسوء تسيير ألقى بظلاله على نشاط الناقلين الخواص، بسبب استمرار العمل بحافلات قديمة بأزيد من 30 بالمائة تعدى عمرها 20 سنة، بالإضافة إلى غياب خطط السير والنقل لتنظيم عملهم.
ويشير "بوشريط" إلى أنّ عدد الناقلين الخواص في الجزائر يبلغ 70 ألفا، ويعاني حسبه العديد منهم من عدة مشاكل نغّصت حياتهم، وفي هذا الشأن، يقول رئيس الاتحادية المذكورة: "وزارة النقل لم تعط أهمية للقطاع وهو ما سبّب فوضى وسوء استغلال"، وطالب محدّثنا بوضع مخطط مغاير على نطاق محلي لإعادة ترتيب أمور المهنيين، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المحطات وإدراج كل المستلزمات لكي يعود التنظيم.
30 مليارا لم تضع القطارات على السكة
وصل حجم ما أنفقته الجزائر على تحديث شبكة سكك الحديد إلى 30 مليارا، وهي أموال رُصدت لربط جهات الجزائر الأربعة، مع التركيز على خطوط المدن الساحلية وولايات الهضاب الى جانب كهربة خطوط السكة الحديدية وازدواجيتها واستحداث آليات ونظم تأمين الشبكة، فهل أتت هذه الأموال الضخمة أكلها ميدانيا؟
ظلّت مراجع رسمية تؤكد أنّ شبكة سكك الحديد ستخضع للمقاييس العالمية الحديثة وبأداء عال ورفيع يمنح الاقتصاد الوطني حركية وديناميكية عالية، بما سينمي النشاط التجاري والسياحي وبعث حركة النقل لكونها شريان الحياة وعصب التفاعل الاجتماعي.
لكن الحكومة التي تحدثت عن الوصول إلى 10500 كلم من خطوط سكك الحديد، رغم أنّ الشبكة إياها لا تتجاوز حاليا 3500 كلم، وتضمّن مشروع تطوير السكك الحديدية بالجزائر، تحديث الخطوط الرابطة بين المدن الجنوبية، وهي: بومدفع-الجلفة-الأغواط-غرداية-ورقلة، ورقلة-حاسي مسعود، المشرية-البيض، حاسي مفسوخ-مستغانم، سعيدة-تيارت، تيسمسيلت-بوغزول-المسيلة.
واللافت أنّه جرى الشروع في انجاز دراسة تقنية لمشروع خط يربط مدينة بوينان الواقعة شرقي البليدة بمدينة بوفاريك، على مسافة طولها 10 كيلومترات، لكن المشروع إياه لم يتجسد رغم حديث المسؤولين عن شروع الايطاليين في إنجازه مطلع 2011، ويُرتقب أن يخفّف الضغط عن الطريق الوطني رقم 29، الذي يشهد أزمة مرور خانقة نتيجة عدم تجديد شبكة الطرق هناك منذ الاستقلال، وهو ما أثر سلبا على نشاط أسواق الجملة للخضر والفواكه، لاسيما بكل من بوڤرة وبوفاريك.
وبنظرة فاحصة للبرنامج الجاري تنفيذه، نلاحظ أنّ الأخير كان يُفترض اشتماله على كهربة 1000 كلم في مختلف مناطق الوطن، فضلا عن إنجاز ثلاثة آلاف كلم جديدة ستتيح تنقل القطارات بسرعة 220 كلم في الساعة، واستلام 800 كلم أخرى مستقبلا، علما أنّه برسم المخطط الرباعي (2005– 2009) قالت الحكومة في البيان الأخير للسياسة العامة، إنّه جرى استلام 30 قاطرة كهربائية من طراز ديزل و17 عربة و42 قاطرة ذاتية الدفع.
وتمّ إنجاز 1100 كلم من السكك الحديدية واستئناف نقل المسافرين على 600 كلم من الشبكة، مع توصلها إلى كهربة ووضع إشارات المرور وتجهيز الاتصالات السلكية واللاسلكية على امتداد 400 كلم من السكك الحديدية، إضافة إلى الشروع في مطابقة الشبكة مع سرعة 220 كلم/ سا على مسافة تفوق 700 كلم، وهو معيار جار تطبيقه على المشروعات الجديدة.
ضياع 1100 كلم من سكك الحديد
ينتقد متابعون تضييع الجزائر لما لا يقلّ عن 1100 كلم من خطوط السكك الحديدية منذ ستينيات القرن الماضي، ويتعلق الأمر بخطوط كانت تربط مغنية بالغزوات، بني صاف بعين تموشنت وعنابة بتبسة، وهو ما جرى تبريره بإفرازات التوتر الأمني في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، واستهداف القطاع بنحو 512 عملية تخريبية.
ووافقت الحكومة على إعادة فتح خطوط تم إهمالها منذ الاستقلال وإنشاء وجهات جديدة، في صورة خطوط (قالمة- بوشقوف- سوق أهراس)، (عين البيضاء- خنشلة)، (بسكرة- الوادي)، (البويرة- سور الغزلان)، (وادي عيسي- تامدة- عزازقة)، (المسيلة- بوسعادة- الجلفة)، (الشلف- التنس)، (آفلو- الأغواط)، (غليزان- مستغانم)، و(أولاد ميمون- سبدو).
في المقابل، يتساءل مراقبون عن حقيقة مشروعي قطارات السرعة العالية "تي جي في" (350 كلم في الساعة) على مستوى محوري شمال-جنوب، وشرق-غرب، حيث جرى إسناد ذلك قبل حوالي 52 شهرا للوكالة الوطنية لمتابعة الدراسات ومتابعة استثمارات السكك الحديدية، إلاّ أنّه لم يحصل أي تقدم فيما يبدو.
Add new comment