الى اين يتجه التمويل غير التقليدي بعد تجاوز سقف 4000 مليار دينار

أشار بنك الجزائر في تقرير الوضعية الشهرية المنشور في الجريدة الرسمية، بأنّ عملية طباعة النقود التي انطلقت في شهر أكتوبر 2017، بلغت في نهاية سبتمبر الماضي نحو  4005 مليار دينار، وهو المبلغ الذي يمثل 44 مليار دولار، يتم ضخه في السوق الوطنية، .هذه الوضعية تطرح عدة تساؤلات حول الحد الذي تصله السلطات العمومية في مجال طباعة النقود في اطار التمويل غير التقليدي 

و قد أشارت الهيئة النقدية أنّ اللجوء إلى عملية ثالثة من برنامج التمويل غير التقليدي في شهر سبتمبر الماضي، بعد العمليتين الأولتين في أكتوبر 2017 وجانفي 2018، وذكرت بأنّ القيمة المالية للعملية الثالثة تقدر بـ 420 مليار دينار، لترفع بذلك إجمالي النقود المطبوعة إلى 4005 مليار دينار، أي 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو الأمر الذي يكشف بأنّ استنجاد الحكومة بالتمويل غير التقليدي المتواصل، حسب التعديل الأخير لقانون النقد والقرض، لمدة خمس سنوات، لا يخضع لسقف معين، وإنّما مرهون بالاحتياجات المعبّر عنها من قبل السلطات العمومية، بصرف النظر عن اسقاطات هذه السياسة على النشاط الاقتصادي والجانب الاجتماعي للمواطنين . و يتضح أن الحكومة ماضية في سياسة طبع النقود الى أبعد الحدود بعيدا عن التوقعات الأولية 

وعلى الرغم من أنّ الحكومة قد أكدت مرارا على لسان الوزير الأول أحمد أويحيى على عدم تأثير هذا التوجه على نسب التضخم ولا على قيمة الدينار مقابل أبرز العملات العالمية، بدعوى أنّها ستوجه لتغطية الديون الداخلية المترتبة على عاتق الدولة ومصالحها الإدارية لحساب مؤسسات عدة، كما هو الشأن بالنسبة لمجمع سونالغاز، إلاّ أنّ الواقع يكشف وجود تآكل للقدرة الشرائية و القيمة الاسمية للعملة الوطنية ،حيث بلغت قيمة الدينار مقابل الدولار و الاورو مستويات عالية

وتبرر الحكومة تعديل قانون النقد والقرض والتوجه إلى التمويلات غير التقليدية بمواجهة الجزائر العديد من الصعوبات الاقتصادية، على اعتبار أنّ "الجزائر تواجه خلال السنوات الأربعة الماضية صدمة خارجية عنيفة بسبب انهيار أسعار النفط في العالم، ما جعل المدخرات الوطنية تنضب لتدفع الخزينة لتجنيد موارد إضافية"، ولاسيما بعد فشل المحاولات السابقة، على غرار عملية القرض السندي التي كانت نتائجها متواضعة بالمقارنة مع حجم الاحتياجات،موازاة مع ارتفاع قيمة الدين العمومي الداخلي

 و فيما أعلن بنك الجزائر عن تراجع احتياطي الصرف للجزائر الى 88.61 مليار   دولار الى نهاية  جوان 2018 مقابل 97.33 مليار دولار الى نهاية ديسمبر 2017 ,  أي بتقلص قيمته 8.72 مليار دولار خلال  ستة (6)ستة أشهر، ثم كشف آخر التقديرات لبلوغ الاحتياطي مستوى 85 مليار دولار ، الى نهاية سبتمبر ،يتضح أن وتيرة مستوى التراجع للاحتياطي يبقى معتبرا ،حيث ينخفض بمعدل يفوق 1.5 الى 1.6 مليار دولار شهريا

 و جدير بالإشارة، أن   وزير المالية عبد الرحمان راوية أعلن عن توقعات تفيد ببلوغ احتياطي الصرف 85.2 مليار دولار الى نهاية 2018  ( أو ما يعادل 18.8 شهرا من الواردات) و 79.7 مليار دولار في 2019 (18.4  شهرا من  الواردات) قبل ان يصل 76.2 مليار دولار في 2020 (17.8 شهر واردات)،بالمقابل،فان معدو قانون المالية 2019 ،توقعوا قيمة احتياطي الصرف ب 62 مليار دولار في 2019 و 47.8 مليار دولار في 2020 و 33.8 مليار دولار في 2021،وهو مستوى أقل بكثير من التوقعات السابقة لوزير المالية ، مما يكشف عن مستوى التراجع الذي يعرفه الاحتياطي ،حيث لن يغط الاحتياطي على أقصى تقدير 9 الى 10 أسهر من الواردات في غضون 2021 ،و يرتقب ألا يغطى سوى نحو 6 أشهر من الواردات في غضون 2022

و تبقى توقعات الحكومة نسبية أمام عدم القدرة على التحكم في مجمل العوامل التي تؤثر على المؤشرات المالية و الاقتصادية وإيرادات البلاد،فقد توقعت الحكومة عبر قانون المالية 2017 استقرار الاحتياطي في مستوى 113.3 مليار دولار في 2017 و107.9 مليار دولار في 2018. و لكن وتيرة نمو الاحتياطي ظل سلبيا،بل عرف تراجعا متسارعا، حيث يعاني الاحتياطي الجزائري من عدة ضغوط، منها نسب المردودية الضعيفة للجزء الموظف كسندات خزينة أمريكية و حتى سندات سيادية المانية و أوروبية  وتقلبات سعر الصرف، فضلا عن التراجع المعتبر لإيرادات سوناطراك وانكماش الاستثمارات الأجنبية المباشرة.وقد تدنى الاحتياطي دون 100 مليار دولار قبل نهاية سنة الحالية على عكس توقعات الحكومة،مما يكشف عن عدم التحكم في الكثير من المؤشرات ،فضلا عن بقاء وضع الاقتصاد الجزائري غير متغير نسبيا .

العجز على التوقع 

كشفت توقعات الحكومة  عن توجه للتخلي عن اعتماد آلية تحويل الفوائض المسجلة مقارنة بالسعر المرجعي المعتمد في قوانين المالية الى صندوق ضبط الإيرادات، مفضلة آليات مغايرة منها التمويل غير التقليدي و ان لمحت بإمكانية التقليص من اللجوء اليها في غضون 2019 ،بعد أن  فاق مستوى سحب الأموال 3600 مليار دينار أو ما يعادل 31 مليار دولار  في ظرف أقل من سنتين.

كشفت تقديرات الحكومة برسم قانون المالية 2019 ،عن رصيد معدوم لصندوق ضبط الإيرادات خلال الفترة الممتدة ما بين 2018 و 2021 ،و هو ما يعني  التخلي  عن الخيارات المعتمدة من قبل بشأن صب الفائض و الفارق بين السعر المرجعي المقدر ب 50 دولار للبرميل و  السعر المحقق و الذي أضحى يفوق حاليا حتى  سعر التوازن المعتمد و المقدر ب 60 دولار للبرميل ،حيث قدر معدل سعر النفط الجزائري ب 72.43 دولار أي بفارق 22.43 دولار مقارنة بالسعر المرجعي و 12.43 دولار مقارنة بسعر التوازن التي اعتمدته الحكومة استنادا هي بدورها مع تقديرات هيئات دولية .

ووفقا لتقديرات الحكومة ،فان صندوق ضبط الإيرادات لم  يعد منذ سنة 2017 ،يضمن لعب دور الضامن لتغطية العجز و الذي يبقى معتبرا ،فقد قدرت الحاجة التمويلية برسم قانون المالية 2019 مثلا ب 1874.4 مليار دينار أي ما يعادل 15.8 مليار دولار ، فيما تم تقدير نفس الحاجة  في 2020 ب 765.5 مليار دينار أو ما يعادل 6.3 مليار دولار .

و رغم تسجيل فائض قيمة على الجباية البترولية نتيجة زيادة أسعار المحروقات ، بقيمة 487 مليار دينار سنة 2019 أو ما يعادل 4.1 مليار دولار  و 506.3 مليار دينار في 2020 أو ما يعادل 4.3 مليار دولار ،الا أن ذلك يبقى غير كافيا لتغطية العجز المسجل في الميزانية  و الذي يظل معتبرا  و ان تراجع ،حيث تشير تقديرات الحكومة نفسها  الى عجز في ميزان المدفوعات ب 21.76 مليار دولار عام 2017 ،مما ينتج عنه تراجع محسوس في احتياطي الصرف  المقدر  الى نهاية ماي 2018 ب 90.6 مليار دولار و حاليا يقدر بنحو 85 مليار دولار ،يضاف الى ذلك تسجيل تراجع الكميات المصدرة من المحروقات ،مما يحد من مستوى الايرادات التي تتوقعها الحكومة في حدود 33.2 مليار دولار بمعدل سعر 60 دولار و في مستوى 35 مليار دولار مع معدل أعلى قليلا من ذلك.

و يلاحظ أن التوقعات المعتمدة من قبل الحكومة تؤكد الحاجة الى ضمان سعر نفط سنوي ب 92 دولار للبرميل للوصول الى توازن نسبي في ميزان المدفوعات سنة 2019 ،الا أن مستوى النمو المتواضع و المتوقع بلوغه 2.6 في المائة عام 2019 لن يسمح بتحقيق أي توازن خاصة في ظل توقع بقاء تراجع كميات المحروقات المصدرة بنسبة 1 في المائة عام 2019 وبقاء مستوى العجز في  ميزان المدفوعات مرتفعا ب 17.2 مليار دولار .

و على ضوء ذلك،فان الحكومة و ان لمحت بإمكانية الحد من اللجوء الى التمويل غير التقليدي ،فإنها ستبقي عليها على المدى القصير لضمان تغطية العجز ، و ان بدأت المخاوف تنتاب السلطات من مضاعفات اللجوء السريع لهذا الخيار على مستويات التضخم .

تضخم الديون العمومية 

تواصل السلطات العمومية في تخصيص موارد مالية معتبرة لتسديد ديونها المتراكمة و التي تظل تشكل عبئا ثقيلا على المؤسسات و الهيئات،و رصدت في مشروع  قانون المالية  لسنة 2019 ،ما قيمته 100  مليار دينار (10 آلاف مليار سنتيم) أو ما يعادل 845 مليون دولار لمواصلة تسديد الديون المترتبة .

كشفت آخر الإحصائيات الرسمية المقدمة للحكومة ارتفاعا معتبرا للمديونية العمومية الداخلية منها و الخارجية خلال الفترة ما بين 2015 و 2017 ، نتيجة عدد من العوامل من بينها إطلاق القروض السندية و آليات اقتراض الخزينة عبر التمويل غير التقليدي،حيث  ارتفعت الديون العمومية الداخلية بنسبة 20.3 في المائة ما بين 2016 و 2017 ،و وصلت الى مستوى 3973 مليار دينار جزائري الى نهاية سبتمبر 2017 أو ما يعادل 34.85 مليار دولار.

و ارتفعت الديون العمومية الداخلية بصورة محسوسة،خلال الفترة ما بين 2015 و 2017 ،حيث كشفت الإحصائيات عن بلوغ هذه الديون 1380.8 مليار دينار أو ما يعادل 12.104 مليار دولار،لترتفع الى الضعف في نهاية 2016 ،بقيمة 3407.3 مليار دينار أو ما يعادل 29.9 مليار دولار،بنسبة 145.7 في المائة ،وواصلت المديونية العمومية الداخلية ارتفاعها لتصل مع نهاية سبتمبر 2017 ،نحو 3973 مليار دينار أو ما يعادل 34.9 مليار دولار أي ما يعادل 22.4 في المائة من الناتج المحلي الخام

Add new comment